أسست الانتخابات البلدية في لبنان، لمدرسة سياسية تصف بالغرائب والعجائب،حيث تم وضع المبادئ السياسية والشعارات جانبا في أكثر من منطقة،وتحرك الجميع ضمن منظومة (الأوتوستوب) الانتخابي،بحيث أجتمع الخصوم مع بعضهم ،وتناحر الحلفاء فيما بينهم،وتغيرت التحالفات من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى مدينة،وارتبك الزعماء وكذلك الأحزاب،أي شعار يطلقون،فما ينطبق على معركة بلدية هنا،يتناقض مع معركة بلدية هناك،وتحول الخطاب والشعار السياسي إلى كلمات متقاطعة ،ضاع فيها الجمهور الذي لم يعرف بأي اتجاه يسير،ومتى يصفق عند سماع أخبار نتائج البلديات،فتارة سيصفق للقوات والقومي السوري ضد عون،وتارة لعون والقوات ضد الكتائب،وتارة للقومي وعون ضد القوات،وتارة للمستقبل والجماعة،وتارة لحزب الله وأمل ضد عون أو معه.
ضاع الجمهور وضاعت الأحزاب...وضاعت النتائج واختلط الحابل بالنابل ،وأعلن الجميع ربحهم ونحن نفتش عن الخاسرين غير الموجودين...وتبين أن الخاسر الأوحد هي المبادئ والبرامج الانتخابية...وكذلك الحياة السياسية والمواطنة وكانت النكسة الأبرز في الانتخابات،أن تقزمت الشعارات والطموحات للأحزاب والتيارات السياسية من رئاسة الجمهورية وإصلاح النظام ، ومقاومة الفساد إلى ربح مختار أو رئاسة بلدية لا تصلها طريق إلاسفلت كما قرية(الطفيل)على الحدود السورية التي نقلت إليها أقلام الاقتراع بالطوافة،وتحول المختار فجأة إلى رئيس جمهورية(المهمول)(إسم شارع)،وصار المختار ربحا أو خسارة،يرفع زعيما أو تيارا سياسيا أو يسقطه بالضربة القاضية،المختار رافعة السياسة في لبنان،وبانتظار تحديد معركة(نواطير الأبنية)بعد تأسيس نقابة لهم ،حيث تستطيع السياسة في لبنان ان تجعل من ناطور البناية ركنا سياسيا في لبنان ، كممثل لسكان البناية، ومن يربح (الناطور)يربح اصوات بنايته،وإلا حاصرهم بعدم نقل النفايات من منازلهم،وقطع المياه عن شققهم، بل ويمكن أن يقفل مدخل البناية،فانتبهوا للنواطير الذين يمسكون برقابكم في المستقبل وانتماءاتهم الحزبية،وكذلك بانتظار معارك جمعيات(دفن الموتى)،فيمكن أن يترك أموات الفريق الخاسر بدون قبرأو دفن،وذلك إهانة للميت وأهله.
في الانتخابات البلدية،اختبأت الأحزاب وراء العائلات التي أحييت فجأة ،لخوض الانتخابات باسمها، لتصطف الطوائف خلفها أيضا ،ولتبدأ إعادة تكوين الحياة السياسية على أساس العائلة كمفردة ديموغرافية للطائفية التي يتبارى الجميع بالمناداة لإلغائها ، وفي الوقت الذي يعيدون إحيائها على كل المستويات والوسائل، وبعد إعلان النتائج تم وأد العائلات وصادرت الأحزاب البلديات وأرقامها،دون سؤال أحد ،حيث تم ممارسة الخداع السياسي،نتيجة عدم الثقة بالنفس،وكانت العائلات بربارة الأحزاب، فإذا خسرت البلديات كانت العائلات هي المسؤولة،وإذا ربحت... أعلنت الأحزاب ربحها.
في لبنان الكلام السياسي،مثل عداد محطات المحروقات وأسعارها المتقلبة،ولا يستطيع أحد أن يلحق بتصريحات أغلب السياسيين،فكل يوم تصريح متناقض مع ما قبله أو ما بعده،وصار شعار المدرسة السياسية الأهم في لبنان،(لا تثبت على موقفك)ففي ذلك عار وتخلف، فالدنيا تتطور وكذلك العلوم،والجماد صفة المتحجر أو الميت،ولذا فإن الأحزاب توافق على النسبية في مجلس الوزراء وتسقطه في المجلس النيابي ،وتوافق على تعديل سن الانتخابات لإشراك الشباب، وتتظاهر معهم بل وتقودهم في الشارع، وتسقطه في مجلس النواب ،و تؤيد النقابات وتتظاهر معها وتمنع حقوقها في مجلس الوزراء.
إن السياسي المحترف من يملك القدرة على تضييع الناس،وتضليلهم،وكذلك خداعهم أو الضحك عليهم... والمشكلة أن الناس راضية وتصفق لمن يقودها... ويفكر عنها...
في البلديات ،سقطت الشعارات ،واختلف الحلفاء ، واتحد الخصوم ،وتواضعت الطموحات ،وصار الزعيم مختار للضيعة الكبرى ، يحمل بعضهم على الأكتاف كما في الستينات وشعار المرحلة ...الى الوراء در.
في جوارنا العربي ملك أو أمير واحد للدولة....وفي لبنان ملوك وأمراء مما أصابه بالتضخم ، فصار اتحاد الممالك اللبنانية...وللتذكير فإن المملكة اللبنانية بمساحة البلدية أو مختار الحي.